فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

في قوله: {ظَنَّ الجاهلية} قولان:
أحدهما: أنه كقولك: حاتم الجود، وعمر العدل، يريد الظن المختص بالملة الجاهلية، والثاني: المراد ظن أهل الجاهلية. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقد وردَتْ أحاديثُ صِحَاحٌ في الترغيبِ في حُسْن الظَّنِّ بالله عزَّ وجلَّ، ففي صحيح مُسْلِم، وغيره، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حاكِيًا عن الله عزَّ وجلَّ يقولُ سبْحَانه: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي...» الحديثَ، وقال ابْنُ مَسْعود: والله الَّذِي لا إله غيره، لا يُحْسِنُ أحَدٌ الظنَّ بالله عزَّ وجلَّ إلا أعطاه الله ظنَّه، وذلك أنَّ الخَيْر بيده، وخرَّج أبو بَكْرِ بْنُ الخَطِيب بسنده، عن أنَسِ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ المَرْءِ حُسْنُ ظَنِّهِ». اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شيء قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ}:

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَيء} حكاية للشبهة التي تمسك أهل النفاق بها، وهو يحتمل وجوها:
الأول: أن عبد الله بن أبي لما شاوره النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة أشار عليه بأن لا يخرج من المدينة، ثم إن الصحابة ألحوا على النبي صلى الله عليه وسلم في أن يخرج إليهم، فغضب عبد الله بن أبي من ذلك، فقال عصاني وأطاع الولدان، ثم لما كثر القتل في بني الخزرج ورجع عبد الله بن أبي قيل له: قتل بنو الخزرج، فقال: هل لنا من الأمر من شيء، يعني أن محمدًا لم يقبل قولي حين أمرته بأن يسكن في المدينة ولا يخرج منها، ونظيره ما حكاه الله عنهم أنهم قالوا: {لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [آل عمران: 168] والمعنى: هل لنا من أمر يطاع وهو استفهام على سبيل الانكار.
الوجه الثاني في التأويل: أن من عادة العرب أنه إذا كانت الدولة لعدوه قالوا: عليه الأمر، فقوله: {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَئ} أي هل لنا من الشيء الذي كان يعدنا به محمد، وهو النصرة والقوة شيء وهذا استفهام على سبيل الانكار، وكان غرضهم منه الاستدلال بذلك على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان كاذبًا في ادعاء النصرة والعصمة من الله تعالى لأمته، وهذا استفهام على سبيل الإنكار.
الثالث: أن يكون التقدير: أنطمع أن تكون لنا الغلبة على هؤلاء، والغرض منه تصبير المسلمين في التشديد في الجهاد والحرب مع الكفار، ثم إن الله سبحانه أجاب عن هذه الشبهة بقوله: {قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَئ} أي يقول بعضهم لبعض على سبيل الإنكار: هل لنا من النصر والفتح والظفر نصيب أي ليس لنا من ذلك شيء لأن الله سبحانه وتعالى لا ينصر محمدًا صلى الله عليه وسلم، أو يقول الحاضرون منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة الاسترشاد: هل لنا من أمر الله تعالى ووعده بالنصر شيء، واختاره بعض المحققين. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ أبو عمرو {كله} برفع اللام، والباقون بالنصب، أما وجه الرفع فهو أن قوله: {كله} مبتدأ وقوله: {لله} خبره، ثم صارت هذه الجملة خبرًا لإن، وأما النصب فلأن لفظة كل للتأكيد، فكانت كلفظة أجمع، ولو قيل: إن الأمر أجمع، لم يكن إلا النصب، فكذا إذا قال كله. اهـ.

.قال الطبري:

واختلفت القراء في قراءة ذلك.
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق: {قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ}، بنصب الكل على وجه النعت لـ {الأمر} والصفة له.
وقرأه بعض قرأة أهل البصرة: {قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ لِلَّهِ} برفع الكل، على توجيه الكل إلى أنه اسم، وقوله: {لله} خبره، كقول القائل: إن الأمر بعضه لعبد الله.
وقد يجوز أن يكون الكل في قراءة من قرأه بالنصب، منصوبًا على البدل.
قال أبو جعفر: والقراءة التي هي القراءة عندنا، النصبُ في الكل لإجماع أكثر القرأة عليه، من غير أن تكون القراءة الأخرى خطأ في معنى أو عربية. ولو كانت القراءة بالرفع في ذلك مستفيضة في القرأة، لكانت سواءً عندي القراءةُ بأيِّ ذلك قرئ، لاتفاق معاني ذلك بأيَ وجهيه قرئ. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال ابن عطية: ورجح الناس قراءة الجمهور، لأن التأكيد أملك بلفظة كلّ انتهى.
ولا ترجيح، إذ كل من القراءتين متواتر، والابتداء بكل كثير في لسان العرب. اهـ.

.قال الفخر:

الوجه في تقرير هذا الجواب ما بينا: أنا إذا قلنا بمذهب أهل السنة لم يكن على الله اعتراض في شيء من أفعاله في الإماتة والإحياء، والفقر والإغناء والسراء والضراء، وإن قلنا بمذهب القائلين برعاية المصالح، فوجوه المصالح مخفية لا يعلمها إلا الله تعالى، فربما كانت المصلحة في إيصال السرور واللذة، وربما كانت في تسليط الأحزان والآلام، فقد اندفعت شبهة المنافقين من هذا الوجه. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن جميع المحدثات بقضاء الله وقدره، وذلك لأن المنافقين قالوا: إن محمدا لو قبل منا رأينا ونصحنا، لما وقع في هذه المحنة، فأجاب الله عنه بأن الأمر كله لله، وهذا الجواب: إنما ينتظم لو كانت أفعال العباد بقضاء الله وقدره ومشيئته إذ لو كانت خارجة عن مشيئته لم يكن هذا الجواب دافعا لشبهة المنافقين، فثبت أن هذه الآية دالة على ما ذكرنا.
وأيضا فظاهر هذه الآية مطابق للبرهان العقلي، وذلك لأن الموجود، إما واجب لذاته أو ممكن لذاته، والممكن لذاته لا يترجح وجوده على عدمه إلا عند الانتهاء إلى الواجب لذاته، فثبت أن كل ما سوى الله تعالى مستند إلى إيجاده وتكوينه، وهذه القاعدة لا اختصاص لها بمحدث دون محدث، أو ممكن دون ممكن، فتدخل فيه أفعال العباد وحركاتهم وسكناتهم، وذلك هو المراد بقوله: {قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ} وهذا كلام في غاية الظهور لمن وفقه الله للإنصاف. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {يُخْفُونَ في أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ}:

قال الفخر:
اعلم أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: {هل لنا من الأمر من شيء}، وهذا الكلام محتمل، فلعل قائله كان من المؤمنين المحقين، وكان غرضه منه إظهار الشفقة، وأنه متى يكون الفرج؟ ومن أين تحصل النصرة؟ ولعله كان من المنافقين، وإنما قاله طعنا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام فبين تعالى في هذه الآية أن غرض هؤلاء من هذا الكلام هذا القسم الثاني، والفائدة في هذا التنبيه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم متحرزا عن مكرهم وكيدهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا}:

.قال الفخر:

إشكال وجوابه:
قولهم: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا.
وفيه إشكال، وهو أن لقائل أن يقول: ما الفرق بين هذا الكلام وبين ما تقدم من قوله: {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَئ} ويمكن أن يجاب عنه من وجهين:
الأول: أنه تعالى لما حكى عنهم قولهم: {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَئ} فأجاب عنه بقوله: {الأمر كُلَّهُ للَّهِ}.
واحتج المنافقون على الطعن في هذا الجواب بقولهم: لو كان لنا من الأمر شيء لما خرجنا من المدينة وما قتلنا هاهنا، فهذا يدل على أنه ليس الأمر كما قلتم من أن الأمر كله لله، وهذا هو بعينه المناظرة الدائرة بين أهل السنة وأهل الاعتزال فإن السني يقول: الأمر كله في الطاعة والمعصية والإيمان والكفر بيد الله، فيقول المعتزلي: ليس الأمر كذلك، فإن الإنسان مختار مستقل بالفعل، إن شاء آمن، وإن شاء كفر، فعلى هذا الوجه لا يكون هذا الكلام شبهة مستقلة بنفسها، بل يكون الغرض منه الطعن فيما جعله الله تعالى جوابا عن الشبهة الأولى.
والوجه الثاني: أن يكون المراد من قوله: {هَل لَّنَا مِنَ الأمر مِن شَئ} هو أنه هل لنا من النصرة التي وعدنا بها محمد شيء ويكون المراد من قوله: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شيء مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا} هو ما كان يقوله عبد الله بن أبي من أن محمدا لو أطاعني وما خرج من المدينة ما قتلنا هاهنا.
واعلم أنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول من الجواب قوله قُل لَّوْ كُنتُمْ في بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ والمعنى أن الحذر لا يدفع القدر والتدبير لا يقاوم التقدير فالذين قدر الله عليهم القتل لابد وأن يقتلوا على جميع التقديرات لأن الله تعالى لما أخبر أنه يقتل فلو لم يقتل لانقلب علمه جهلا وقد بينا أيضا أنه ممكن فلابد من انتهائه الى إيجاد الله تعالى فلو لم يجد لانقلبت قدرته عجزا وكل ذلك محال ومما يدل على تحقيق الوجوب كما قررنا قول الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ وهذه الكلمة تفيد الوجوب فان هذه الكلمة في قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ} {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (البقرة 178) تفيد وجوب الفعل وهاهنا لا يمكن حملها على وجوب الفعل فوجب حملها على وجوب الوجود وهذا كلام في غاية الظهور لمن أيده الله بالتوفيق ثم نقول للمفسرين فيه قولان:
الأول لو جلستم في بيوتكم لخرج منكم من كتب الله عليهم القتل الى مضاجعهم ومصارعهم حتى يوجد ما علم الله أنه يوجد والثاني كأنه قيل للمنافقين لو جلستم في بيوتكم وتخلفتم عن الجهاد لخرج المؤمنون الذين كتب عليهم قتال الكفار الى مضاجعهم ولم يتخلفوا عن هذه الطاعة بسبب تخلفكم.
الوجه الثاني في الجواب عن تلك الشبهة قوله: {وَلِيَبْتَلِىَ الله مَا في صُدُورِكُمْ} وذلك لأن القوم زعموا أن الخروج إلى تلك المقاتلة كان مفسدة ولو كان الأمر إليهم لما خرجوا إليها فقال تعالى بل هذه المقاتلة مشتملة على نوعين من المصلحة أن يتميز الموافق من المنافق وفي المثل المشهور لا تكرهوا الفتن فانها حصاد المنافقين ومعنى الابتلاء في حق الله تعالى قد مر تفسيره مرارا كثيرة.
فإن قيل لم ذكر الابتلاء وقد سبق ذكره في قوله: {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ (آل عمران 152)}؟
قلنا لما طال الكلام أعاد ذكره وقيل الابتلاء الأول هزيمة المؤمنين والثاني سائر الأحوال.
والوجه الثالث في الجواب قوله: {وَلِيُمَحّصَ مَا في قُلُوبِكُمْ}، وفيه وجهان:
أحدهما أن هذه الواقعة تمحص قلوبكم عن الوساوس والشبهات.
والثاني أنها تصير كفارة لذنوبكم فتمحصكم عن تبعات المعاصي والسيئات وذكر في الابتلاء الصدور وفي التمحيص القلوب. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلِيَبْتَلِىَ الله مَا في صُدُورِكُمْ} أي ليختبر الله تعالى ما في صدوركم بأعمالكم فإنه قد علمه غيبًا ويريد أن يعلمه شهادة لتقع المجازاة عليه قاله الزجاج، أو ليعاملكم معاملة المبتلي الممتحن قاله غير واحد، وهو خطاب للمؤمنين واللام للتعليل ومدخولها علة لفعل مقدر قبل مطوف على علل أخرى مطوية للإيذان بكثرتها كأنه قيل فعل ما فعل لمصالح جمة وليبتلي الخ أو لفعل مقدر بعد أي وللابتلاء المذكور فعل ما فعل لا لعدم العناية بشأن أوليائه وأنصار نبيه صلى الله عليه وسلم مثلًا.
والعطف على هذا عند بعض المحققين على قوله تعالى: {أَنزَلَ عَلَيْكُم} والفصل بينهما مغتفر لأن الفاصل من متعلقات المعطوف عليه لفظًا أو معنى، وقيل: أنه لا حذف في الكلام وإنما هو معطوف على قوله تعالى: {لّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ} [آل عمران: 153] أي أثابكم بالغم لأمرين عدم الحزن والابتلاء، واستبعد بأن توسط تلك الأمور محتاج إلى نكتة حينئذٍ، وهي غير ظاهرة، وأبعد منه بل لا يكاد يقبل العطف على قوله تعالى: {لِيَبْتَلِيَكُمْ} [آل عمران: 152] أي صرفكم عنهم ليبتليكم وليبتلي ما في صدوركم، وجعله بعضهم معطوفًا على علة محذوفة وكلتا العلتين {لَبَرَزَ الذين} كأنه قيل لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم لنفاذ القضاء أو لمصالح جمة وللابتلاء.
واعترض بأن الذوق السليم يأباه فإن مقتضى المقام بيان حكمة ما وقع يومئذٍ من الشدة والهول لا بيان حكمة البروز المفروض، وإنما جعل الخطاب للمؤمنين لأنهم المعتدّ بهم ولأن إظهار حالهم مظهر لغيرهم.
وقيل: أنه لهم وللمنافقين أي ليبتلي ما في سرائركم من الإخلاص والنفاق، وقيل: للمنافقين خاصة لأن سوق الآية لهم.
وظاهر قوله تعالى: {وَلِيُمَحّصَ مَا في قُلُوبِكُمْ} أي ليخلص ما فيها من الاعتقاد من الوسواس، يرجح الأول: لأن المنافقين لا اعتقاد لهم ليمحص من الوساوس ويخلص منها، ولعل القائلين بكون الخطاب للمنافقين فقط أو مع المؤمنين يفسرون التمحيص بالكشف والتمييز أي ليكشف ما في قلوبكم من مخفيات الأمور أو النفاق ويميزها، إلا أن حمل التمحيص على هذا المعنى يجعل هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها وإنما عبر بالقلوب هنا كما قيل: لأن التمحيص متعلق بالاعتقاد على ما أشرنا إليه وقد شاع استعمال القلب مع ذلك فيقال: اعتقد بقلبه ولا تكاد تسمعهم يقولون اعتقد بصدره أو آمن بصدره، وفي القرآن {أُوْلَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهِمُ الإيمان} [المجادلة: 22] وليس فيه كتب في صدورهم الإيمان، نعم يذكر الصدر مع الإسلام كما في قوله تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ للإسلام} [الزمر: 22] ومن هنا قال بعض السادات: القلب مقر الإيمان، والصدر محل الإسلام، والفؤاد مشرق المشاهدة، واللب مقام التوحيد الحقيقي، ولعل الآية على هذا تؤول إلى قولنا ليبتلي إسلامكم وليمحص إيمانكم، وربما يقال عبر بذلك مع التعبير فيما قبل بالصدور للتفنن بناءًا على أن المراد بالجمعين واحد. اهـ.